عندما تقيد الحريات تصبح الكتابة عبئا ثقيلا .. مجرد كلمات جوفاء بلا معنى ولا أثر ولا جدوى ..وعندما تغل يد وتكمم أفواه الصحفيين توؤد معهم أصوات المهمشين والضعفاء ومن لاحيلة لهم .. فالصحفى هو نبض الشعب .. صوت الضعيف والمظلوم، أنة المقهور، هوالقابض على جمر متاعبهم المثقل بها والمحمل بأمانة توصيلها لولاة أمور البلاد .. مهمته ليست هينة ومسئوليته ليست سهلة ومتاعبه بثقل هموم ومتاعب وطن..لايخفف من تلك المهمة المؤبدة الشاقة سوى نجاح فى كشف فساد أو رد ظلم أومنع قرارات مجحفة.. لايستطيع الصحفى بالطبع تحقيق ذلك النجاح إلا فى ظل مناخ حر يضمن له حق التعبير عن رأيه دون خشية التعرض للأذى أو العقاب أو السجن .. من هنا كان هم الصحفيين المهمومين بالفعل بقضايا وطنهم وآلام شعبهم هو الدفاع عن حريتهم ففاقد الشيء من الصعب أن يعطيه، ومن غير المنطقى أن ينجح الصحفى فى حمل أمانة الكلمة وأن يصبح صوت الضعفاء بينما يعجز هو فى فك قيود تكبله وتمنعه عن التعبير وإبداء مايؤمن به من آراء.
لم يكن غريبا إذا أن يتخوف الصحفيون من مشروع قانون الصحافة والإعلام الجديد ..فالمشروع الجديد يحمل في مواده كثيرا من القنابل القابلة للإنفجار فى وجه اصحاب الكلمة .. فمواده المفخخة بالخطر تهدد بالحبس والمنع والمصادرة .. كلماتها المطاطة قابلة للتأويل والتفسير وحمالة أوجه كثيرة يمكن بسهولة أن توجه فى غير صالح الصحفى وتسهل إدانته ومساءلته وحبسه .. فعلى سبيل المثال تنص المادة 19 على أنه "" يحظر على الصحيفة أو الوسيلة الإعلامية أو الموقع الألكترونى نشر أخبار كاذبة أو مايدعو أو يحرض على مخالفة القانون أو العنف أو الكراهية أو التعصب ويتضمن طعنا فى الأعراض أو سبا أو قذفا أو إمتهانا للأديان السماوية أو العقائد الدينية. وكذلك المادة 29 التى تنص على أنه "لايجوز الحبس الإحتياطى فى الجرائم التى ترتكب بطريق النشر أو العلانية فيما عدا الجرائم المتعلقة بالتحريض على العنف أو التمييز بيم المواطنين أو بالطعن فى الأعراض ".
نصوص تبدو فى الشكل لاغبار عليها إلا أن فى التطبيق يمكن أن تتحول لسلاح فتاك يستخدمه اصحاب المصلحة ليعصفوا بأى صحفى تعدى خطوطا بعينها أو هدد مصالحه أوكشف فساده وجرائمه ..الكارثة أن تلك العبارت المفخخة المطاطة لم تسلم منها ايضا تلك المواد التى تكرس لمبدأ حرية الصحفى وتؤكد على حقه فى النشر. فبينما تنص المادة الثانية على أنه " لايجوز أن يكون الرأى الذى يصدر عن الصحفى سببا فى مساءلته ولايجوز إجباره على إفشاء أسراره وأن للصحفى حق نشر المعلومات والبيانات والأخبار التى لايحظر القانون غفشاءها ولايجوز فرض أى قيود تعوق توفير المعلومات أو تحول دون تكافؤ الفرص بين مختلف الصحف المطبوعى دون إخلال بمقتضيات الأمن القومى والدفاع عن الوطن ".. من يحدد مقتضيات الأمن القومى والدفاع عن الوطن!! سيفا آخر يشهر فى وجه الصحفى يمكن إستخدامه بكل سهولة فى وجهه ومنعه من نشرالحقيقة أو كشف فساد أوفضح جرائم ترتكب فى حق الوطن تحت لافتة "الإخلال بالأمن القومى وتهديد الوطن !! من حق كل صحفى غيور على مهنته التخوف والإعتراض والمطالبة بإعادة النظر فى تلك المواد المفخخة.ليس فقط لضمان أمنه من التعرض للحبس والخطر لكن وهذا هو الأهم أن صوته لن يصبح له صدى ولاقلمه يصبح له أثر إلا إذا كان حرا لايخشى بطش رقيب ولاقيد سجان.
-------------
بقلم: هالة فؤاد